فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهو قول أبي صالح إن العصبة سبعون رجلًا؛ ذكره الماوردي.
والأوّل ذكره عنه الثعلبي. وقيل: ستون رجلًا. وقال سعيد ابن جبير: ست أو سبع. وقال عبد الرحمن بن زيد: ما بين الثلاثة والتسعة وهو النفر.
وقال الكلبي: عشرة لقول إخوة يوسف {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 8] وقاله مقاتل.
وقال خيثمة: وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون وقْر ستين بغلًا غراء محجلة، وأنها لتنوء بها من ثقلها، ما يزيد مفتح منها على إصبع، لكل مفتح منها كنز مال، لو قسم ذلك الكنز على أهل البصرة لكفاهم. قال مجاهد: كانت المفاتيح من جلود الإبل.
وقيل: من جلود البقر لتخف عليه، وكانت تحمل معه إذا ركب على سبعين بغلًا فيما ذكره القشيري. وقيل: على أربعين بغلًا. وهو قول الضحاك. وعنه أيضًا: إن مفاتحه أوعيته.وكذا قال أبو صالح: إن المراد بالمفاتح الخزائن؛ فالله أعلم.
{إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} أي المؤمنون من بني إسرائيل؛ قاله السديّ. وقال يحيى بن سلاّم: القوم هنا موسى. وقال الفراء: وهو جمع أريد به واحد كقوله: {الذين قَالَ لَهُمُ الناس} [آل عمران: 173] وإنما هو نعيم بن مسعود على ما تقدّم.
{لاَ تَفْرَحْ} أي لا تأشر ولا تبطر.
{إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} أي البطرين؛ قاله مجاهد والسديّ. قال الشاعر:
ولستُ بِمِفْرَاحٍ إذا الدهرُ سَرَّنِي ** ولا ضارعٌ في صرفه المتقلب

وقال الزجاج: المعنى لا تفرح بالمال فإنّ الفَرِح بالمال لا يؤدّي حقَّه.
وقال مبشر بن عبد الله: لا تفرح لا تفسد. قال الشاعر:
إذا أنتَ لم تبرح تؤدّي أمانةً ** وتحملُ أخرى أفرحتك الودائعُ

أي أفسدتك.
وقال أبو عمرو: أفرحه الدين أثقله.
وأنشده: إذا أنت... البيت.
وأفرحه سره فهو مشترك.
قال الزجاج: والفرحين والفارحين سواء.
وفرّق بينهما الفراء فقال: معنى الفرحين الذين هم في حال فرح، والفارحين الذين يفرحون في المستقبل. وزعم أن مثله طمع وطامِع وميّت ومائت.
ويدلّ على خلاف ما قال قول الله عز وجل: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} [الزمر: 30] ولم يقل مائت.
وقال مجاهد أيضًا: معنى {لاَ تَفْرَحْ} لا تبغ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبّ الْفَرِحِينَ} أي الباغين. وقال ابن بحر: لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين.
قوله تعالى: {وابتغ فِيمَآ آتَاكَ الله الدار الآخرة} أي اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة؛ فإن من حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة لا في التجبر والبغي.
قوله تعالى: {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا} اختلف فيه؛ فقال ابن عباس والجمهور: لا تضيع عمرك في ألا تعمل عملًا صالحًا في دنياك؛ إذ الآخرة إنما يعمل لها، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح فيها. فالكلام على هذا التأويل شدّة في الموعظة.
وقال الحسن وقتادة: معناه لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه، ونظرك لعاقبة دنياك. فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه. وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشية النبوة من الشدّة؛ قاله ابن عطية.
قلت: وهذان التأويلان قد جمعهما ابن عمر في قوله: احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. وعن الحسن: قدّم الفضل، وأمسك ما يبلغ. وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف. وقيل: أراد بنصيبه الكفن. فهذا وعظ متصل؛ كأنهم قالوا: لا تنس أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك هذا الذي هو الكفن. ونحو هذا قول الشاعر:
نَصيبُك مما تجمعُ الدهرَ كلَّه ** رداءان تُلْوَى فيهما وحَنُوط

وقال آخر:
وهي القناعة لا تبغي بها بدلا ** فيها النعيم وفيها راحة البدن

انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ** هل راح منها بغير القطن والكفن

قال ابن العربي: وأبدع ما فيه عندي قول قتادة: ولا تنس نصيبك الحلال، فهو نصيبك من الدنيا وما أحسن هذا.
{وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} أي أطع الله واعبده كما أنعم عليك.
ومنه الحديث: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه» وقيل: هو أمر بصلة المساكين.
قال ابن العربي: فيه أقوال كثيرة جماعها استعمال نِعم الله في طاعة الله. وقال مالك: الأكل والشرب من غير سرف.
قال ابن العربي: أرى مالكًا أراد الرد على الغالين في العبادة والتقشف؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلواء، ويشرب العسل، ويستعمل الشواء، ويشرب الماء البارد. وقد مضى هذا المعنى في غير موضع. {وَلاَ تَبْغِ الفساد فِي الأرض} أي لا تعمل بالمعاصي {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين}.
قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي} يعني علم التوراة. وكان فيما روي من أقرأ الناس لها، ومن أعلمهم بها. وكان أحد العلماء السبعين الذين اختارهم موسى للميقات. وقال ابن زيد: أي إنما أوتيته لعلمه بفضلي ورضاه عني.
فقوله: {عِنْدِي} معناه إن عندي أن الله تعالى آتاني هذه الكنوز على علم منه باستحقاقي إياها لفضل فيّ. وقيل: أوتيته على علم من عندي بوجوه التجارة والمكاسب؛ قاله علي بن عيسى. ولم يعلم أن الله لو لم يسهل له اكتسابها لما اجتمعت عنده. وقال ابن عباس: على علم عندي بصنعة الذهب. وأشار إلى علم الكيمياء.
وحكى النقاش: أن موسى عليه السلام علمه الثلث من صنعة الكيمياء، ويوشع الثلث، وهارون الثلث، فخدعهما قارون وكان على إيمانه حتى علم ما عندهما وعمل الكيمياء، فكثرت أمواله.
وقيل: إن موسى علم الكيمياء ثلاثة؛ يوشع بن نون، وكالب بن يوفنا، وقارون، واختار الزجاج القول الأول، وأنكر قول من قال إنه يعمل الكيمياء. قال: لأن الكيمياء باطل لا حقيقة له.
وقيل: إن موسى علّم أخته علم الكيمياء، وكانت زوجة قارون، وعلمت أخت موسى قارون؛ والله أعلم.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ} أي بالعذاب.
{مِنَ القرون} أي الأمم الخالية الكافرة.
{مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا} أي للمال، ولو كان المال يدلّ على فضل لما أهلكهم.
وقيل: القوة الآلات، والجمع الأعوان والأنصار، والكلام خرج مخرج التقريع من الله تعالى لقارون؛ أي {أَوَلَمْ يَعْلَمْ} قارون {أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون}.
{وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} أي لا يسألون سؤال استعتاب كما قال: {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [النحل: 84] {فَمَا هُم مِّنَ المعتبين} [فصلت: 24] وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ لقوله: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] قاله الحسن.
وقال مجاهد: لا تسأل الملائكة غدًا عن المجرمين؛ فإنهم يعرفون بسيماهم، فإنهم يحشرون سود الوجوه زرق العيون.
وقال قتادة: لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها، بل يدخلون النار بلا حساب. وقيل: لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية الذين عذبوا في الدنيا. وقيل: أهلك من أهلك من القرون عن علم منه بذنوبهم فلم يحتج إلى مسألتهم عن ذنوبهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إِنَّ قارون} وقارون أعجمي: منع الصرف للعجمة والعلمية. وقيل: ومعنى كان من قومه: أي ممن آمن به. قال ابن عطية: وهو إسرائيلي بإجماع. انتهى.
واختلف في قرابته من موسى عليه السلام، إختلافًا مضطربًا متكاذبًا، وأولاها: ما قاله ابن عباس أنه ابن عمه، وهو قارون ابن يصهر بن قاهث، جد موسى، لأن النسابين ذكروا نسبة كذلك، وكان يسمى المنور لحسن صورته، وكان أحفظ بني إسرائيل للتوراة وأقرأهم، فنافق كما نافق السامري.
{فبغى عليهم} ذكروا من أنواع بغيه الكفر والكبر، وحسده لموسى على النبوة، ولهارون على الذبح والقربان، وظلمه لبني إسرائيل حين ملكه فرعون عليهم، ودسه بغيًا تكذب على موسى أنه تعرض لها، وتفضحه بذلك في ملأ من بني إسرائيل، ومن تكبره أن زاد في ثيابه شبرًا.
{وآتيناه من الكنوز} قيل: أظفره الله بكنز من كنوز يوسف عليه السلام.
وقيل: سميت أمواله كنوزًا، إذ كان ممتنعًا من أداء الزكاة، وبسبب ذلك عادى موسى عليه السلام أول عداوته. وما موصوله، صلتها إن ومعمولاها.
وقال النحاس: سمعت علي بن سليمان، يعني الأخفش الصغير، يقول: ما أقبح ما يقوله الكوفيون في الصلات، أنه لا يجوز أن تكون صلة الذي إن وما عملت فيه، وفي القرآن: {ما إن مفاتحه}. انتهى. وتقدم الكلام في مفاتح في سورة الأنعام، وقالوا هنا: مقاليد خزائنه.
وقال السدي: هي الخزائن نفسها. وقال الضحاك: ظروفه وأوعيته. وقرأ الأعمش: مفاتيحه، بياء، جمع مفتاح، وذكروا من كثرة مفاتحه ما هو كذب، أو يقارب الكذب، فلم أكتبه. قال أبو زيد: نؤت بالعمل إذا نهضت به. قال الشاعر:
إذا وجدنا خلفًا بئس الخلف ** عبدًا إذا ما ناء بالحمل وقف

ويقول: ناء ينوء، إذا نهض بثقل. قال الشاعر:
تنوء بأحراها فلأيًا قيامها ** وتمشي الهوينا عن قريب فتبهر

وقال أبو عبيدة: هو مقلوب وأصله: لتنوء بها العصبة، أي تنهض، والقلب عند أصحابنا بابه الشعر.
والصحيح أن الباء للتعدية، أي لتنيء العصبة، كما تقول: ذهبت به وأذهبته، وجئت به وأجأته.
ونقل هذا عن الخليل وسيبويه والفراء، واختاره النحاس، وروي معناه عن ابن عباس وأبي صالح والسدي، وتقول العرب: ناء الحمل بالبعير إذا أثقله.
قال ابن عطية: ويمكن أن يسند تنوء إلى المفاتح، لأنها تنهض بتحامل إذا فعل ذلك الذي ينهض بها، وذا مطرد في ناء الحمل بالبعير ونحوه، فتأمله. وقرأ بديل بن ميسرة: لينوء، بالياء، وتذكيره راعى المضاف المحذوف، التقدير: ما إن حمل مفاتحه، أو مقدارها، أو نحو ذلك.
وقال الزمخشري: ووجهه أن يفسر المفاتح بالخزائن، ويعطيها حكم ما أضيف إليه للملابسة والإيصال، كقوله: ذهبت أهل اليمامة. انتهى.
يعني: أنه اكتسب المفاتح التذكير من الضمير الذي لقارون، كما اكتسب أهل التأنيث من إضافته إلى اليمامة، فقيل فيه، ذهبت.
وذكر أبو عمرو الداني أن بديل بن ميسرة قرأ: ما إن مفتاحه، على الإفراد، فلا تحتاج قراءته لينوء بالياء إلى تأويل. وتقدم تفسير العصبة في سورة يوسف عليه السلام. وتقدم قبل تفسير المفاتح، أهي المقاليد، أو الخزائن نفسها، أو الظروف والأوعية؟ وعن ابن عباس والحسن: أن المفاتح هي الأموال.
قال ابن عباس: كانت خزائنه تحملها أربعون أقوياء، وكانت أربعمائة ألف، يحمل كل رجل عشرة آلاف. وقال أبو مسلم: المراد من المفاتح: العلم والإحاطة، كقوله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب} والمراد: وآتيناه من الكنوز، ما إن حفظها والإطلاع عليها ليثقل على العصبة، أي هذه الكنوز لكثرتها واختلاف أصنافها، يتعب حفظها القائمين على حفظها.
{إذ قال له قومه لا تفرح} نهوه عن الفرح المطغى الذي هو إنهماك وإنحلال نفس وأشر وإعجاب، وإنما يفرح بإقبال الدنيا عليه من اطمأن إليها وغفل عن أمر الآخرة، ومن جعل أنه مفارق زهرة الدنيا عن قريب، فلا يفرح بها. وقال أبو الطيب:
أشد الغم عندي في سرور ** تيقن عنه صاحبه انتقالا

قال الزمخشري: ومحل إذ منصوب بتنوء.
انتهى، وهذا ضعيف جدًا، لأن إثقال المفاتح العصبة ليس مقيدًا بوقت قول قومه له: {لا تفرح}.
قال ابن عطية: متعلق بقوله: {فبغى عليهم} وهو ضعيف أيضًا، لأن بغيه عليهم لم يكن مقيدًا بذلك الوقت.
وقال الحوفي: الناصب له محذوف تقديره أذكر.
وقال أبو البقاء: {إذ قال له} ظرف لآتيناه، وهو ضعيف أيضًا، لأن الإيتاء لم يكن وقت ذلك القول.
وقال أيضًا: ويجوز أن يكون ظرفًا لفعل محذوف دل عليه الكلام، أي بغى عليهم، {إذ قال له قومه}. انتهى.
ويظهر أن يكون تقديره: فأظهر التفاخر والفرح بما أوتي من الكنوز، {إذ قال له قومه}.
وقال تعالى: {ولا تفرحوا بما آتاكم} والعرب تمدح بترك الفرح عند إقبال الخير. وقال الشاعر:
ولست بمفراح إذا الدهر سرني ** ولا جازع من صرفه المتحول

وقال الآخر:
إن تلاق منفسًا لا تلقنا ** فرح الخير ولا نكبوا الضر

وقرىء: {الفارحين} حكاه عيسى بن سليمان الحجازى.
و{لا يحب} صفة فعل، لا صفة ذات، بمعنى الإرادة، لأن الفرح أمر قد وقع، فالمعنى: لا يظهر عليهم بركته، ولا يعمهم رحمته.
ولما نهوه عن الفرح المطغى، أمروه بأن يطلب، فيما آتاه الله من الكنوز وسعة الرزق، ثواب الدار الآخرة، بأن يفعل فيه أفعال البر، وتجعله زادك إلى الآخرة.
{ولا تنسى نصيبك من الدنيا} قال ابن عباس، والجمهور: معناه: ولا تضيع عمرك في أن لا تعمل صالحًا في دنياك، إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح فيها، وهذا التأويل فيه عظة.
وقال الحسن، وقتادة: معناه: لا تضيع حظك من الدنيا في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك، وفي هذا التأويل بعض رفق.
وقال الحسن: معناه: قدم الفضل وأمسك ما تبلغ به. وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف.
وقيل: أرادوا بنصيبه الكفن، وهذا وعظ متصل، كأنهم قالوا: تترك جميع مالك، لا يكون نصيبك منه إلا الكفن؛ كما قال الشاعر:
نصيبك مما تجمع الدهر كله ** رداءان تأوي فيهما وحنوط

وقال الزمخشري: أن تأخذ منه ما يكفيك ويصلحك، وهذا قريب من قول الحسن: {وأحسن} إلى عباد الله، أو بشكرك وطاعتك لله.